موضوع: استرداد سواحل الشام السبت يناير 13, 2018 6:09 am
استرداد سواحل الشَّام
طالع أيضًا: معركة حمص الثانية
هزيمة المغول (يسارًا) على يد المُسلمين (يمينًا) في موقعة حِمص.
بعد أن تخلَّص السُلطان قلاوون من الأخطار الداخليَّة التي واجهته، بدأ ينصرف نحو المغول والصليبيين الذين ما فتئوا يُهددون الشَّام بين فينةٍ وأُخرى. وكان آباقا خان قد أرسل في سنة 679هـ المُوافقة لِسنة 1280م قُوَّةً احتلَّت بعض القلاع في شمال الشَّام، ثُمَّ رحلت إلى حلب فدخلتها وأحرقت جوامعها ومدارسها وقتلت الكثير من أهلها، قبل أن تُسرع بِالعودة إلى قواعدها بِالعراق ما أن وصلها أنَّ قلاوون خرج إلى غزَّة في طريقه إليهم لِمُنازلتهم.[rtl][109][/rtl] استغلَّ الصليبيُّون فُرصة إغارة المغول على شمال الشَّام وحاولوا استرداد حصن الأكراد من المُسلمين، لكنَّ مُحاولتهم باءت بِالفشل،[rtl][ْ 13][/rtl] غير أنَّ تلك المُحاولة نبَّهت قلاوون إلى الخطر الذي يُحيق به نتيجة تحالف أعدائه المغول والصليبيين، لِذلك أخذ يتَّبع سياسةً جديدةً تستهدف التفرقة بين خُصُومه وعدم تمكينهم من الاتحاد ضدَّ المُسلمين لِيتمكن من مُنازلة كُلٌ منهم على حدة.. فعقد صُلحًا مع القوى الصليبيَّة الرئيسيَّة في الشَّام لِمُدَّة عشر سنوات، ثُمَّ حوَّل أنظاره ناحية المغول لِضربهم ضربةً موجعة.[rtl][110][/rtl] وكان أن خرج آباقا بنفسه إلى الشَّام على رأس جيشٍ كبيرٍ من المغول في سنة 680هـ المُوافقة لِسنة 1281م، وسار معه ليو الثالث ملك أرمينية الصُغرى. وفي موقعة حِمصالتي دارت بين المُسلمين والمغول يوم 14 رجب 680هـ المُوافق فيه 29 تشرين الأوَّل (أكتوبر) 1281م، حلَّت الهزيمة ساحقةً بِالمغول وولُّوا الأدبار إلى العراق بعد أن هلك منهم خلقٌ كثير.[rtl][111][/rtl] وما دام السُلطان قلاوون قد أحرز هذا النصر على المغول، فإنهُ رأى أن ينتهز الفُرصة لِيُنزل ضربته الثانية بِالصليبيين على الرُغم من أنَّهُ كان قد عقد معهم صُلحًا لِمُدَّة عشر سنوات كما أُسلف، ولم تنقضِ منها سوى أربع سنواتٍ فقط. ففي سنة 684هـ المُوافقة لِسنة 1285م، هاجم قلاوون الإسبتاريَّة في حصن المرقب - وهو من أخطر الحُصُون الصليبيَّة بِالشَّام - واستولى عليه فعلًا، ممَّا سبب خسارة كُبرى لِلصليبيين.[rtl][112][/rtl] وفي الوقت الذي كان المُسلمين يتأهبون لِلإجهاز نهائيًّا على الصليبيين بِالشَّام، لم ينتبه الصليبيُّون إلى حقيقة الخطر الذي يتهددهم، واستمرُّوا غارقين في مُنازعاتهم الداخليَّة، وهي المُنازعات التي ميَّزت تاريخ الصليبيين بِالشَّام في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الميلادي،[rtl][ْ 14][/rtl] وقد انتهز السُلطان قلاوون فُرصة انشغال الصليبيين بِتلك المُنازعات وأرسل حملةً استرجعت اللاذقيَّة سنة 686هـ المُوافقة لِسنة 12788م، وهي آخر بلد كان قد تبقَّى لِلصليبيين من إمارة أنطاكية. وشاء سوء حظ الصليبيين في تلك الظُروف أن يموت بوهيموند السَّابع أمير طرابُلس دون وريث، فقام في إمارته نزاعٌ داخليّ حول وراثة الحُكم، واستنجد فريقٌ من المُتنازعين بِالسُلطان قلاوون.[rtl][113][/rtl]
المُسلمون يُحاصرون ويفتتحون طرابُلس بعد أن ظلَّت في حوزة الصليبيين 180 سنة.
وهُنا أسرع قلاوون إلى افتراس الفُرصة، فتجهَّز لِأخذ طرابُلس، وخرج من مصر على رأس جيشه دون أن يُعلن هدفه، وذلك في شهر مُحرَّم سنة 688هـ المُوافق فيه شهر شُباط (فبراير) سنة 1289م. وكان جيش المُسلمين كبيرًا - يزيدُ عن أربعين ألف فارس ومائة ألف راجل - فلم تستطع طرابُلس مُقاومة الحصار الذي فرضه عليها السُلطان وسقطت في قبضته بعد أن احتلَّها الصليبيُّون طيلة 180 سنة.[rtl][114][/rtl] ولم يلبث المُسلمون أن استرجعوا المراكز التي أخلاها الصليبيُّون قُرب طرابُلس - مثل أنفة والبترون وبيروت وجبلة - وبذلك لم يبقَ لِلصليبيين من مُلكهم العريض في الشَّام سوى عكَّا وصيدا وصُور وعثليث.[rtl][ْ 15][/rtl] ومن الواضح أنَّ عكَّا كانت أعظم هذه المُدن الصليبيَّة وأمنعها، وأنها صارت المركز الجديد لِمملكة بيت المقدس اللاتينيَّة بعد أن استرجع صلاحح الدين بيت المقدس لِلمُسلمين، ومع ذلك فإنَّهُ لم يكن في نيَّة السُلطانن قلاوون مُهاجمة عكَّا عقب استيلائه على طرابُلس مُباشرةً. ذلك أنَّ قلاوون اتجه إلى دمشق، حيثُ وافق على تجديد الهدنة مع الصليبيين لِمُدَّة عشر سنوات.[rtl][115][/rtl] شكَّل سُقُوط طرابُلس صدمة عنيفة لِسُكَّان عكَّا، كما أثار النقمة في الغرب الأوروپي، وجعل المُدن الصليبيَّة في الشَّام تحت رحمة السُلطان قلاوون. وكتب البابا نُقُولا الرابع إلى مُلُوك الغرب يلتمس منهم تقديم المُساعدة، لكنَّ أحدًا لم يُجبه نظرًا لانشغال كُل ملك بِمشاكله الداخليَّة، ولم يُلبِّ نداء البابا سوى جماعات فقيرة من شمالي إيطاليا الذين تطلَّعوا إلى مُغامرةٍ تعود عليهم بِالمنفعة، ولم يكن البابا راضيًا عنهم، غير أنَّهُ قبل مُساعدتهم مُضطرًّا، وجعلهم تحت رئاسة أُسقف طرابُلس. وقدَّمت البُندُقيَّةعشرين سفينة وألف وستُمائة مُرتزق، كما قدَّم ملك أراغون خمس سُفنٍ حربيَّة.[rtl][116][/rtl] وبينما الصليبيُّون بِالشَّام يخطبون ودّ السُلطان قلاوون، وصلت تلك الجُمُوع الصليبيَّة من إيطاليا وهي تفيضُ حماسةً، وفي الوقت نفسه ينقصهاا النظام والخبرة وضبط النفس، فاعتدوا على المُسلمين خارج أسوار عكَّا مما أنذر بِتجدُّد الحرب بين المُسلمين والصليبيين،، وأخذ قلاوون يعد العدَّة لِلقيام بِعملٍ حربيٍّ كبيرٍ ضدَّ عكَّا.[rtl][117][/rtl]